قراءة الدكتور رضا صالح لسيدة الضياء للروائي السيد حنفي الصادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع
عن رواية سيدة الضياء للسيد حنفى
يحاول البطل جاهدا أن يبحث عن الحقيقة التى يكتشف فى النهاية أنها مجرد وهم؛يعيش ربما فى قرية تسود فيها معتقدات بالية مثل التبرك بالشجرة وتقديم القرابين لحياة الأبناء.
للأم حضور قوى فى الرواية ؛فهى تحمل هما بيد ؛وتتسول بالأخرى .
يبجث البطل عن الأم لتنتشله من الضياع ؛والأم هنا رمز للأرض أو للوطن فى الغالب ؛وهى تحاول أن تخفف عنه بالحنان و العطف ؛ كما تحاول أن تحفف عنه تلك الظلمة التى تجتاح أعماقه.
يتحدث البطل عن سيدة صنعها من خياله؛سيدة من الضياء؛سيدة تتسم بالعقل والحكمة ؛وتسمو به عن الدنس الذى تتسم بع الأرض.
ويمثل رحيل الأم رحيل كل شىء حلو فى الحياة؛أما عن الأب فيصوره فى منظر بشع ؛فهو يهوى الصفع والجلد والسيطرة المطلقة .
يتذكر البطل حبيبته هناء التى رحلت وتركت له الذكرى ؛يظل يبحث عن تلك الحبيبة طوال زمن الرواية تقريبا ولكنه لم يجدها؛يرمز هنا إلى آمالنا وتطلعاتنا وأحلامنا التى لا نستطيع أن نحققها أو نصل إليها لأن أقدامنا مغروسة فى الطين؛طين الآلام والأوجاع.
يقابل نجلاء التى تقوم مقام حبه الأول ؛ولكن هناك صراع بين الجسد والروح؛بين الطين والضياء الذى نراه يختفى تدريجيا؛وتتداعى الأسئلة ويشعر معها بعبثية الحياة وبسطوة الشيطان على الانسان.
والطيالسى الذى يظهر غير ما يبطن،يبدو ورعا وهو للفساد والافساد أقرب وذلك يتحقق بتعاونه مع الخونة . نتوقف قليلا مع الليل ؛مع الظلمة؛فالليل تدور فيه معظم أحداث الرواية والليل يسيطر على الكاتب نظرا لما تراه عيناه فى الواقع السىء؛فقد ضاعت منه الحبيبة ؛الأحلام ؛الحقيقة التى يبحث عنها .
ويظل يبحث عن الحقيقة حتى فى حفلات السمر حول الشجرة والذى ترقص فيه (السعدية) وهنا أيضا يتدخل السواد (خيانة-رذيلة- قتل)ويكتفى البطل بعزف الناى ليبكى الأحلام الضائعة ؛ويعود للتساؤلات والحيرة.
الرواية تأخذ طريق الرمز،لتعبر به هن الواقع المرير الذى بعيش فيه ؛يغشاه الظلام؛ظلام الظلم وغياب الضياء؛وتلك العتمة التى نحياها ويسترجع الكاتب فى ذاكرة البطل ألوانا من الظلم والظلام التى مر بها العالم(قميص عثمان –المصاحف على أسنة الرماح-اللات والعزى –آلام الحلاج) وهذه القرية تمثل العالم تمثيلا صادقا،ففيها يقع الظلم؛فيها الظلام الدامس الذى هو عكس الضياء.
وكأنما البطل فى رحلته تلك الشاقة يبحث فقط عن الوهم ؛اتجه الكاتب إلى آلهة الخليج ليذكر الفساد الذى يعيشون فيه؛بل ويعيش فيه الانسان العربى مطأطأ الرأس للقوى الكبرى التى يحركها الشيطان.
الرواية تعبر عن رحلة البحث عن النور ؛البحث عن الضياء الرغبة الدفينة فى أن نجد قرية أو عالما بلا منغصات،بلا ظلم وظلام فالظلم ظلمات والكاتب هنا يجول بنا فى التاريخ ويذكرأمرؤ القيس –اللات والعزى –مأساة الحلاج-قميص عثمان-الفتنة الكبرى-موقعة كربلاء-أحداث وحروب العالم بظلمها وظلامها،ولا يمكن لكاتب غير قارىء أو مثقف أن يكتب رواية بهذا الزخم الجميل الذى يعتمد على الرمز.
ذكرنى البطل بأسطورة سيزيف ذلك البطل اليونانى الذى حكمت عليه الآلهة بحمل صخرة والصعود بها الى أعلا الجبل؛وكلما اقترب من القمة سرعان ما يهبط الى سفح الجبل مرة أخرى؛ويظل هكذا فى بحثه عن الخلاص أو بحثه عن الضياء…
ولا يمكن أن تدهشك الرواية وتأخذك فى سحرها إلا إذا كنت قارئا جيدا ومحبا للرمز وما وراء الكلمة ؛حتى تكتشف أسرارها وتفك شفراتها وتصل إلى بعض أعماق النص وتأويلاته.
الرواية رائعة بلغتها الشعرية الجميلة ؛ولكنى أخيرا أحب أن اتساءل مع المؤلف اليست نلك نظرة كافكاوية إلى حد كبير بالرغم من أنها تبحث عن الخلاص؛تبحث عن الضياء؟
د.رضا صالح